أدب عرب منتديات الأدب الحديث
أهلاً وسهلاً بالزوار الكرام ونتمنى أن تقضوا معنا أوقاتاً جميلة
ويشرفنا انضمامكم إلينا بتسجيلكم العطر في هذا المنتدى

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

أدب عرب منتديات الأدب الحديث
أهلاً وسهلاً بالزوار الكرام ونتمنى أن تقضوا معنا أوقاتاً جميلة
ويشرفنا انضمامكم إلينا بتسجيلكم العطر في هذا المنتدى
أدب عرب منتديات الأدب الحديث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قصّة: كلّما تعبتُ عدتُ إلى جدّي

اذهب الى الأسفل

قصّة: كلّما تعبتُ عدتُ إلى جدّي Empty قصّة: كلّما تعبتُ عدتُ إلى جدّي

مُساهمة  ZAKARIYA MEGDADI الثلاثاء أبريل 28, 2020 3:10 pm

كلّما تعبتُ عدتُ إلى جدّي

    وصل بيتَ جدِّه، فجاهدَ نفسَه لدفعِ البابِ الخشبيِّ العتيقِ، بخطواتٍ متهالكةٍ جرَّ جسدًا لم يعدْ يقوى على حملِ رأسٍ مليءٍ بالخيباتِ والويلاتِ والتّساؤلاتِ ...
قال مسلّمًا على جدّه: مساءُ الخيرِ . لم تكن عادتُه أن يسلّمَ بمساءِ الخيرِ؛ فدائمًا ما كان يُمطرُ جدَّه بعباراتٍ تُظهِرُ للسّامعِ كأنّ الحياةَ ورديّةٌ لا ظلمَ فيها ولا سوءَ.
   نظرَ جدّه من فوقِ النّظّارةِ، تنهّدَ قليلًا ثمّ قالَ له: مساءُ الخيرِ يا بنيّ، تعالَ اجلسْ هنا! وضَعَ الجدُّ يدَه الّتي بانت منها خطوطُ الدّهرِ على المقعدِ الجلديِّ، وعينا الصّبيِّ ترمقانِه كأنّهما تحاولانِ الهربَ، لكنْ كيفَ تهربانِ وهما تتطلّعانِ لحديثٍ يريحُهما من كلِّ هذه التّساؤلاتِ.
خطا خطواتٍ غيرَ متّزنةٍ، ثمّ أطاحَ جسدَه كأنْ لم يعدْ يقوى على حملِه.
لم يَنبِس الجدُّ ببنتِ شَفَةٍ، ولا الصّبيُّ كذلكِ، مرّت دقيقتانِ وكأنّهما ساعاتٌ طويلةٌ لسجينٍ في بلادِ الغربةِ.
أغلقَ الجدُّ كتابَه القديمَ ذا الأوراقِ الصّفراءِ والغلافِ الجلديِّ " لا أدري لماذا يحتفظونَ بكلّ هذهِ الأشياء القديمة؟ وما سرُّ الأغراضِ الجلديّة؟ ... " قالها الصّبيُّ في نفسِه.
نظرَ الجدُّ بوقارٍ للصّبيِّ، ومسحَ على رأسِه، ثمّ قال له: ما بالكَ يا بنيّ؟
- لا شيءَ.
- كيفَ لا شيءَ؟! أتظنُّ هذهِ التّجاعيدَ الّتي في جسدي ضعفًا؟! هي نتاجُ خِبراتي وأعواميَ الباليةِ.
- لا لا .. لاشيءَ يا جدّي. (قالها متلعثمًا، كأنّ لسانَه يهتزُّ مثلَ بندولِ ساعةِ الحائطِ في غرفةِ جدِّه).
- يا بنيّ، صوتُك المبحوحُ، وخطواتُك البطيئةُ غيرُ المتّزنةِ، ولسانُك المتلعثمُ، ووجهُك الشّاحبُ كلّها دَلالاتُ خيبةٍ يا بنيّ.
- خيبةٌ .. خيبةٌ .. كيف عرفتَ ذلك؟!
تبسّم الجدُّ  ابتسامةً لم يفهمْها الصّبيُّ، فهي لا تشبه ابتساماتِ النّاسِ مطلقًا، وتابعَ: قل لي يا بنيّ، لعلّ كلمةً منّي تهدِّئُ بالَك.
- كلّهم خائنون! مخادعون!
- كلُّهم!!! بتعجّبٍ شديدٍ قالها الجدُّ.
- نعمْ، كلُّهم، لقد خذلوني يا جدّي، لقد خانوني، تركوني في منتصفِ الطّريقِ.
- ولِمَ يا بني؟!
- لأنّهم لا يحبّونني، كانوا منذُ البدايةِ يخدعونني، في كلِّ الأوقاتِ، كانوا ينتقدونني على أيِّ تصرّفٍ أو تقصيرٍ منّي يا جدّي. أأستحقُّ اللّومَ كلَّ مرّةٍ؟!!
تبسّم الجدُّ وقال للصّبيِّ: ضع يدكَ فوقَ يدي يا بني، فوضعها الصّبيُّ دونَ أن يفهمَ السّببَ، قال له الجدُّ: شدَّ على يدي، فاستجابَ الصّبيُّ للجدِّ، قال : أمسكها جيّدًا ولا تفلتها، عِدني بألّا تفلتها أبدًا مهما حدث، وعده الصّبيُّ بذلك – فهو يثقُ بأنّ جدَّه لن يؤذيَه أبدًا، وانهالت التّساؤلاتُ على رأسِ الصّبيِّ: ماذا يقصدُ جدّي من ذلك؟ ... وبينما هو غارقٌ في خضمِّ تساؤلاتِه لم يشعرْ إلا بصفعةٍ فوق يدِه من يدِ جدّه الأخرى تفاجئُه وهو غارقٌ في التّفكيرِ، أبعدَ الصّبيُّ يدَه مباشرةً، ولكنّه تذكّرَ وعدَه لجدِّه بألّا يُفلتَ يدَه؛ فأعادَها سريعًا.
قال له جدُّه معاتبًا: أمِنْ أوّلِ صفعةٍ أبعدتَها؟!!
ردَّ الصّبيُّ : لم أُبعدْها عن قصدٍ؛ فقد فاجأتَني، وكانت ردّةَ فعلٍ غيرَ مقصودةٍ من جهازيَ العصبيِّ.
فضربَه ضربةً أخرى، هزّ الصّبيُّ يدَه  لكنّه انتبه هذه المرّةَ؛ فلم يُفلتْها. كرّرَ الجدُّ الصّفعاتِ على ظهرِ يدِ الصّبيِّ وهو ممسكٌ بيدِ جدِّه، فلمّا ازدادت الصَّفَعاتُ، واحمرّت يدُ الصّبيِّ، ولم يعدْ يحتملُ الألمَ، أزالَ يدَه عن يدِ جدِّه.
- ها يا بنيّ، لقد خذلتني وخنتَ عهدي، ها أنتَ تُخلِفُ وعدَك وتزيلُ يدَك ...
- لا يا جدّي، ليسَ الأمرُ كذلك؛ إنّما لم أعُدْ أحتملُ الصَّفَعاتِ المتكرّرةَ.
سكت الجدُّ برهةً ثمّ قال: ولمَ أزلتَ يدَك من الصّفعةِ الأخيرةِ؟ ألم تحتملْها كباقي الصّفعاتِ؟
- لا يا جدّي، يدي لم تعدْ تحتملُ المزيدَ ...
- أها، قلتَ لي المزيدَ إذًا. أتظنُّ أنّ الصّفعةَ الأخيرةَ تختلفُ عن باقي الصّفعاتِ؟ أهيَ الحاسمةُ القاصمةُ؟
- لا لا ... ليست وحدَها.
- نعم يا بني، إنّ تواليَ الصّفعاتِ على يدِكَ جعلك لا تحتملُ الألمَ، فليستْ صفعةٌ واحدةٌ هي السّببَ، تمامًا كالبالونِ يحتملً كمّيّةً من الهواءِ، ثمّ ينفجرُ، أتَرى الّذي فجّرَه آخرُ جرعةٍ من الهواءِ فحسبُ؟!
- أممم ... لا .
- أحسنت يا بني، فلو أخذتَ هذه الجرعةَ وحدَها، ووضعتَها في بالونٍ جديدٍ لما انفجرَ، ولكنْ لكلِّ بالونٍ طاقةٌ يحتملُها، فهو يضاعفُ حجمَه أضعافًا كثيرةً لاحتمالِ الهواءِ حتّى يصبحَ جدارُه هشًّا لا يحتملُ أيَّ ضغطٍ آخرَ، فإن جاءَه ضغطٌ جديدٌ – حتّى وإن كان متناهيَ الصّغرِ – انفجرَ من فوره؛ وكذلك ما حصلَ مع يدِك الّتي لم تحتملْ أيَّ صفعةٍ أخرى.
يدُك والبالونُ لم يكنْ آخرُ شيءٍ هو ما أثّرَ فيهما لهذه الدّرجةِ، إنّما التّراكمُ يا بنيّ.
قل لي يا بني: أأنت راضٍ عن أخطائِك مع أصدقائِك؟
- يا جدّي، هم السّببُ؛ فالأصدقاءُ يجب أن يَتَحمّلوا صديقَهم.
- يا بنيّ، أنا لم أسألْك من السّببُ. أريدُ منك أن تَصْدُقَ نفسَك؛ فمهما كذبتَ لن تستطيعَ الكذبَ على نفسِك. أأنت راضٍ عمّا فعلتَه معهم؟
- طأطأ الصّبيُّ رأسَه ثمّ قال: يا جدّي، لم أستطعْ تغييرَ أطباعي، لقد اعتدتُ الكذبَ.
- قال الجدُّ: ها أنت تصدُقُ يا بني.
يا بني، إنّما أصدقاؤك مثلُ  يدِك، وقلوبُهم مثلُ البالونِ، يحتملونَ منك ما لا يحتملُه غيرُهم، ولكنْ لكلِّ شخصٍ طاقةٌ؛ فلا تستنفِدْ طاقاتِهم.
سكت الجدُّ قليلًا ثمّ قالَ: أتظنُّ أنّ أحدًا يكرهُ  جارَنا الأخرسَ فرحانَ؟
فكّر الصّبيُّ ثمّ قال: لا يا جدّي، لا أحدَ يكرهُه، إنّي أراه دائمَ الابتسامِ، وحينما يراه النّاسُ يصافحونه بحرارةٍ، ويبتسمون في وجهِه دائمًا. لماذا يا جدّي؟ أهو رجلٌ طيّبٌ إلى هذا الحدِّ؟!
- يا بنيّ، هل صادقتَ شخصًا آخرَ أخرسَ؟
- نعم يا جدّي، زميلنا مروان في المدرسةِ، وهناك شخصٌ آخرُ من القريةِ المجاورةِ، وأصحابُهما كذلك، كلّهم طيّبون يا جدّي.
- نعم يا بني، هذا ما أردتُ أن أقولَه. أوَتعرفُ السّببَ؟
فكّر الصّبيُّ طويلًا، لكنّه لم ينبِس إلّا بتُرّهاتٍ ولعثماتٍ.
أجابه الجدُّ: إنّه اللِّسانُ يا بني؛ فالأخرسُ لا يُضْطَرُّ للكذبِ أو تقديمِ الوعودِ الّتي لا يقوى عليها، ولا يؤذي أحدًا بلسانه؛ فترى العالمَ كلَّه يحبُّه.
- يا بنيّ، قبلَ أن تتفوَّهَ بوعدِك فكّرْ، أتستطيعُ الوفاءَ به؟ قبل أن تكذِبَ فكّر، أتكونُ راضيًا عن نفسِك حينما تختلي بها؟
- لكن يا جدّي لم أستطعْ تركَ الكذبِ!
- ها أنت تصدُقُ من جديدٍ يا بني... حافظْ على صدقِك مع نفسِك تكسبْ نفسَك وغيرَك.

                                        الكاتب : زكريّا كامل مقدادي /29/4/2020
ZAKARIYA MEGDADI
ZAKARIYA MEGDADI
Admin

عدد المساهمات : 23
تاريخ التسجيل : 27/05/2010
العمر : 38

https://adabarab.3oloum.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى